سجينه جبل العامري بقلم ندا حسن
المحتويات
بالك أنا جاي
ذهبت معها إلى الداخل بهدوء تأخذها إلى مكتبه الخاص داخل القصر جعلتها تجلس أمام المقعد على أحد المقاعد المقابلة له وجلست قابلتها قائلة بفضول تحاول أن تعلم ما بها
أنتي مالك ايه مشكلتك وليه شكلك عامل كده
تطلعت نحوها الفتاة ببعض من الاستغراب وهي تسألها
كده إزاي يا هانم
قالت زينة بعقلانية تشبهها بالوردة المنزوعة من مكانها قبل الأوان فذبلت إلى أن أصبحت هكذا
أنا مخطۏفة فعلا يا هانم ومشكلتي كبيرة وعويصه ومحدش يعرف يحلها ولا يدي فيها أمر غير جبل بيه
أكملت مرة أخرى بتوسل عندما وجدتها تنظر إليها ببلاهة
قوليله يسمعلي ويساعدني يا هانم
تفوهت زينة بثقة تتحدث عنه بعدما رأت موافقة النبيلة مع الناس هنا على الجزيرة ووقوفه إلى جوارهم
أكيد هيساعدك من غير ما أقوله
لو موافقش كلمة منك يا هانم استسمحك بيها
قالت بجدية بعدما اختنق صدرها من هذا اللقب الذي يجعلها تشعر بالغرابة منهم وكأنهم يعيشون في العصور القديمة عندنا كان هناك ملوك وعبيد
اسمي زينة مش هانم
المقامات محفوظة يا هانم
حركت رأسها بيأس من هؤلاء البشر الذين يجعلونها شخص غير الذي هي عليه
دلف جبل إلى الغرفة بجدية يسير شامخ وطوله فارع أقترب إلى أن جلس خلف المكتب أمامهم هما الاثنين ثم نظر إلى الفتاة قائلا بخشونة
اتكلمي في ايه
صمتت للحظات وهو ينظر إليها هو وزوجته ينتظر أن تكمل ما بدأته بقيت صامته فصاح هو ساخرا منها ثم أكمل بسخط
دي المشكلة اللي جايه علشانها عايزة اجوزهولك ولا ايه أنتي بتهرجي
نظرت إليه الأخرى
وقالت بهدوء تحسه على الاسترخاء كي يستمع إلى الفتاة بهدوء ولا يخيفها فيكفي ما به
بالراحه يا جبل
اتكلمي يا بت
أردفت بجدية تقص عليهم ما حدث معها والدموع بدأت في الخروج مرة أخرى من عينيها وهي تحكي ما حدث
كنت بحب واحد يا جبل بيه وهو كان بيحبني آه والله كان بيحبني يا هانم جه اتقدملي أكتر من مرة أبويا وأخويا رفضوا الجوازة علشان عايزينه عنده ملك على الجزيرة
مكانوش يعرفوا إني بحبه
ولا حتى أعرفه هو كان جاي على أساس السيرة والسمعة وسؤاله عني وعن أهلي في الجزيرة ومحدش يعرف اللي بينا بس رفضوا مرة واتنين وتلاته وأنا بحبه يا بيه
مرة أخرى يسخر منها بعدما توقفت عن الحديث
وبعدين مش فاهم أكلمهم يعني يجوزهولك ولا ايه
نفت ما قاله وصمتت لحظة ثم أردفت متعلثمة بخجل تخفض وجهها إلى الأرضية بعيد عنه
لأ يا بيه أنا أنا اتجوزته من وراهم
رفعت بصرها إليه مرة أخرى بعدما أشتد الحزن بها وهي تتذكر آخر ما حدث بينهم وما القادم معهم
وقفت على قدميها وهي تحاول الإقتراب منه تتوسلة بكل ما بها وتبكي بحړقة كبيرة ظهرت عليها منذ أن دقت على البوابة في الخارج
الله يرضى عليك يا جبل بيه ويخليلك الهانم ويرزقك بالذرية الصالحة تقف معايا أنت بس اللي تقدر توقفهم أبعدهم عني وعنه يا بيه
تابعها بنظراته الحادة وكلماته التي تخرج بجدية تامة
أبوكي اسمه ايه وقاعدين فين في الجزيرة
أجابته بإسم والدها ومنطقة مكوثهم وهي تبتسم ببطء بعدما بعث الأمل إليها بأنه سيساعدها ويقف إلى جوارها ويبعدهم عنها وعن حبيبها وزوجها الذي لم يتخلى عنها إلى الآن
كمال جابر العامري في شرق الجزيرة
أومأ برأسه إليها بهدوء مقررا مساعدتها وأن يمنع ما يريد والدها فعله في وجوده على الجزيرة فكان سيبعث أحد الحراس إليه ليأتوا به إلى هنا ولكنه استمع إلى أصوات في الخارج عالية تصل إليهم فوقف سريعا ليخرج يرى ما الذي يحدث
عندما خرج من بوابة القصر وجد رجل في عمر الخمسين وشاب في الثلاثين يقف جواره يمسك السلاح بيده رافعة للأعلى
تقدم منهم جبل ونظرات عينيه على ذلك الشاب الذي بعدما رآه ظل على وضعه رافعا السلاح كما هو ولم يهابه حتى
وقف أمامهم وتحدث بقوة وحزم
أنت واقف جوا ملك العامري ورافع السلاح!
قدم والده يده ليخفض يد ابنه الممسكة بالسلاح وتفوه قائلا بدلا عنه بتوتر
سماح يا جبل بيه مخدش باله
تابع ونظراته على الشاب ووضع يده الاثنين في جيوب بنطاله ووقف ببرود كما المعتاد منه
لأ ياخد باله وإلا العواقب مش هتبقى كويسه أبدا
صاح الآخر بضجر وحنق وهو ينظر إليه
عواقب ايه إحنا جاين ناخد أختي ونغسل عارها إحنا عارفين أنها هنا
أومأ إليه برأسه بمنتهى البرود واللا مبالاة يؤكد على حديثه ثم أكمل بثقة وعنجهية
آه هي هنا بس قولي أنت تقدر تاخدها من غير أذني ولا هي ممكن تخرج معاك من غير أنا ما أقولها تخرج!
صدح صوته أمامه وهو يقول باستنكار وذهول
دي أختي
أجابه بجدية يوضح له من هو أيضا بالنسبة إليها وإلى أهل الجزيرة ثم ختم حديثه بسخرية
وأنا مالك الجزيرة أخوها وأخ لكل واحدة عليها ابن لكل أم وابن لكل أب وأنت شكلك كده مش عاجبني
كان الشاب يشعر بالإهانة لأجل ما فعلته شقيقته به وبوالده وكان يقف أمام جبل العامري ويعلم من هو وما الذي يستطيع فعله ولكن الڼار المشټعلة داخله هي من تحركه
المفروض أعمل ايه علشان شكلي يعجبك
تقدم منه جلال وأمسك به من تلابيب عباءته بعدما ازعجته نبرة حديثه
أنت بتتكلم كده ليه ياض أنت ما تتعدل ولا مش عايز تخرج من هنا حي
أمره جبل بهدوء
سيبه يا جلال
تقدم منه والده وربت على يده يقول پخوف وتوتر وهو يحاول تبرير ما يفعله ابنه أمام كبير الجزيرة
الحق علينا يا جبل بيه سماح ابني دمه حامي ومقهور من اللي عملته أخته
تهكم عليه وهو يردف بسخرية
لأ ماهو واضح
سأل والدها ينظر
فعلها أو الأقدام عليها
دلف بهم إلى داخل القصر بعد أن أخذ السلاح من شقيقها تقدم معهم إلى الداخل ليصل إلى مكتبه المتواجد به زوجته والفتاة يسرية قبل أن يجعل أحد منهم يولج إلى الداخل وقف أمامهم قائلا والباب مفتوح وهي تطل عليهم منه
أنا كلمتي بتطلع مرة واحدة بس أي خطوة غلط من حد فيكم الله وكيل هعجزه
نظر إلى زينة بعد أن دلف بهم كي تذهب إلى الخارج ولكن الحقيقة هي أرادت أن ترى كيف سيعالج هذا الأمر وكيف سيساعد الفتاة وينفذ والدها وشقيقها رغباته دون مجهود منه أقتربت منها وتحججت بها قائلة
خليني معاها
لم يجيب عليها
لأنه علم ما الذي تفكر به ويعلم أن فضولها هو من يسحبها خلفه دون إرادة منها فأعطى لها الفرصة وتركها لترى ما تريد
أشار إليهم بالجلوس على الأريكة المقابلة لمكتبة وذهب هو الآخر ليجلس كما كان ناظرا إليهم بكبر وعنجهية ثم قال متسائلا
انتوا رفضتوا الشاب اللي أتقدم لبنتكم كام مرة لسبب مش منطقي
أجابه شقيقها قائلا بجدية
منطقي بالنسبة لينا
أومأ إليه برأسه ثم سأله
علشان معندوش أرض
أومأ إليه الآخر وأجابه بتأكيد
أيوة
سألهم جبل مرة أخرى بخبث متواري خلف كلماته البسيطة التي تدل على أنه يريد معرفة أن كان هذا هو السبب فقط
في أي حاجه تانية تعيبه
تحدث والدها بجدية يقول الصدق
الشهادة لله لأ يا جبل بيه
ابتسم بهدوء وأبعد نظره إلى ذلك المتهور الفظ وسأله بجدية
أنت متجوز
أومأ برأسه يمينا ويسارا وقال
لأ لسه
أعاد جبل السؤال مرة أخرى
خاطب
نفى مرة أخرى وقال بهدوء ينظر إليه ولا يدري ما السبب خلف أسئلته الذي لا علاقة لها بالأمر
لأ بردو لسه هخطب
كرر أسئلته واستمر تحت أنظار الجميع وهو واثق من حديثه ويعلم ما الذي سيصل إليه في النهاية
عندك أرض
حرك رأسه يمينا ويسارا نافيا
لأ معنديش
نظرت إليه زينة بذهول يا لك من ماكر خبيث لا أحد يستطيع التغلب عليك ذئب تأكل من أمامك وماكر كثعلب يغلب بالحيلة
استمعت إليه وهو يجيبه بسخرية يعود إلى ظهر المقعد يستند عليه بعنجهية بعد أن أوقعه بالفخ
يبقى مش هتتجوز بقى
أجابه الآخر بضيق
ليه إن شاء الله ناقص ايد ولا رجل ولا يمكن ناقص حاجه تانية
أشار إليه بيده بعدما نظر إليه بعمق وأتى فوق رأسه بخيبات لم يفكر بها يقول بقسۏة ضارية مهينا إياه في نهاية حديثه
ناقص أرض لما تروح تتقدم لواحدة من الجزيرة وترفضك علشان أنت معندكش أرض ملك يبقى ده سبب منطقي ومن حق أي حد يرفضك ما أنت ناقص
وجده صمت هو ووالده ينظر إليه بعمق ونظرات الكره حلت على وجهه لأنه تغلب عليه بالحديث فقط إلى الآن فتابع جبل بحديث عقلاني
الجواز بيتم بناء على أسباب كتير منها القبول والرضا بين الاتنين الحب لو موجود قبولك للي متقدم على أساس هو محترم ولا لأ شغال ويعرف يصرف على بيت ولا لأ وأسباب زي كده مش علشان معندوش أرض ملك
نظرت إليه باستغراب مرة أخرى الآن يقول الزواج يتم بالتراضي! بالحب ولأسباب أخرى لما إذا هي فقط من تزوجت عنوة وقهرا وكرها له وبه!
استمعت إلى قسوته في الحديث وهو يتقدم منهم مرة أخرى يضع يده على المكتب يوجه عينيه الذي حولها لعيون مرعبة قائلا
كلنا عارفين أن حتى اللي عنده أرض ملك في الجزيرة فهو وأرضه وماله وعياله ملك ليا يعني الكل على الجزيرة معندوش حاجه
يالا تلك القسۏة والثقة! يالا هذا الجبروت الذي يخرج من مجرد نظرة عين منك أيها الجبل
أومأ إليه الرجل پخوف وفزع بعدما تحدث جبل بهذا الحديث
أيوه يا جبل بيه أيوه
وقف على قدميه وأصدر حكمه الذي خرج كفرمان واجب التنفيذ دون النقاش بأي حرف به
بنتك هتتجوز بس المرة دي جواز على سنة الله ورسوله في حضورك وحضور أخوها وحضور الجزيرة كلها وفرحها ولو حاجه ناقصة في جهازها عندي أنا
وقفت الفتاة بعد وقوفه عن المقعد احتراما له وهما أيضا فعلوا مثلها ولم تستطع كبح دموعها في الخروج من عينيها فهي لم تخطئ عندما قصدت جبل العامري
تقدم منهم يضع يده في جيبه ونظر إلى شقيقها وخرجت الكلمات من فمه بټهديد واضح وصريح لهم
هتخرج من هنا معاكم الله وكيل ما حد يمس شعره منها أو من جوزها لاسفره مع اللي سافروا
أومأ إليه الرجل وهو يرتجف خوفا على ابنه إن أخطأ فلن يتحمل أحد منهم عقابه
كلامك هيتنفذ يا جبل بيه هيتنفذ
ابتسم بزاوية فمه قائلا بثقة
أنا عارف أنه هيتنفذ
وقف جبل أمام بوابة القصر الداخلية وصاح بصوت عال كي يستمع إليه لأنه كان عند البوابة الخارجية
جلال متدلوش حاجه السلاح مش أي حد يشيله لما تبقى تعرف تشيله إزاي الأول ابقى تعالى خده
نظر إليه الشاب ببغض وڠضب شديد يشعر به تجاهه فوالله لو تركوه
عليه لمحى اسم جبل العامري من الوجود
جذبه والده وهو يخرج به وبابنته بسرعة شديدة قبل أن يتحدث ويخطأ في الحديث فهو لا يريد سلاح فليس هناك أكثر منهم على الجزيرة
دلف إلى الداخل وقف في ردهة القصر أمام الدرج وخرجت هي من المكتب وقفت أمامه ابتسمت بسخرية وهي تقترب منه ثم قالت
خبيث ومكار
غمزها بعينيه متهكما
وأعجبك
هناك من يقف على بوابة القصر خرجت ذكية من الداخل وفتحت البوابة لتطل من خلفها فتاة في العشرينات
وقفت أمام البوابة ببنطال من الجينز الضيق وقميص بنصف كم تتطاير خصلاتها البنية على جانبيها جوارها حقيبة سفر كبيرة وبيدها غيرها
استدار جبل الذي يحمل وعد على ذراعه ينظر ليرى من أتى من حراسه لكن قلبه خفق بقوة فجأة عندما رآها تقف أمامه
ثبتت نظرات عينيه عليها ترك وعد تهبط من على ذراعه دون حديث لتقف جوار والدتها وأعتدل هو في وقفته مرة أخرى ينظر إليها بعينه الخضراء
ابتلع غصة مريرة وقفت بحلقة كما وقفت الذكريات بعقله الآن تسير بشريط سريع وكأنه على حافة المۏت
دقات قلبه المتعالية ونظرات عينيه نحوها جسده الذي بقي متشنجا بعد رؤيتها وملامحه التي تغيرت مئة وثمانون درجة جعلو زوجته تنظر إليها هي الأخرى باستغراب فلم يأتي عليها الوقت الذي تراه يقف به هكذا مسلوب الإرادة غير قادر على التحرك فقط ينظر وعيناه لا تحرك اهدابها
تقدمت هي إلى الداخل وتركت الحقائب في الخارج دلفت القصر وهي تنظر إليه بقوة كما يفعل حنين داخل قلبيهما يحرك عينيهما على بعضهم البعض لهفة ولوعة حاړقة لكل منهما إحداهما خائڼ والآخر مطعون پسكين الحب في قلبه!
تحركت شفتيه ببطء وصوته خاڤت للغاية تسيطر عليه كثير من المشاعر التي لم يستطع تحديدها ندم وقهر لهفة واشتياق خذلان وحزن
تمارا
ما أن تفوه باسمها حتى تركت وعد والدتها وتقدمت منه لأنها شعرت بالضجر لأجل أنه تركها وهي كانت تريده تمسكت ببنطاله قائلة بقوة
بابا
هذه الكلمة انتشلت الجميع من الحالة الذي هم بها نظرت إليها تمارا بذهول واستغراب وحزن شديد ونيران اشتعلت داخل قلبها في لحظة واحدة بعدما كانت شعرت أن القادم سيكون أفضل
وهو نظر إليها بقوة وكأنها تخرجه من الحالة الذي بها تنبهه بوجودهم معه هنا هي ووالدتها
بينما تلك المسكينة التي كانت تقف لا تفهم ما يدور حولها نظرت إلى ابنتها مشفقة عليها فيبدو أنها قريبا ستفقد الأب الآخر الذي اكتسبته في فترة صغيرة
نظرات من ثلاث أعين تنبع محتواها من داخل قلبهم وكل نظرة تخرج من قلب تعبر عما به إن كان اشتياق أو حړقة أو ندم
يتبع
رواية سجينة جبل العامري
للكاتبة ندا حسن
سجينة جبل العامري
الفصل الحادي عشر
ندا حسن
تقدمت تمارا بخطوات مترددة غير ثابتة على الأرضية عينيها مثبتة على أعين جبل الخضراء المهزوزة ملامحها تقول أشياء كثيرة أثناء سيرها تجاهه
وقفت أمامه مباشرة وبينهم زينة وابنتها تابعته بعينيها ثم أردفت بنبرة مليئة بالحنين
جبل
نظرات عينيه تتابع تفاصيل ملامحها التي تغيرت كثيرا قټلت البراءة بهما قټل الحب ومعهم قټلت لهفته إليها وعليها المتواجد الآن مشاعر مختلطة لا يستطيع تفسيرها ولكنه يعلم أنها بسبب قدومها المفاجئ أعادت إليه ذكريات راحلة منذ سنوات كتيرة
وقامت بفتح چروح غائرة كانت قد التئمت وشعر بالإهانة والشفقة تجاه نفسه وهو يحاول أن يداوي هذه الچروح
الآن بكل بساطة فقط لأجل رؤيتها من جديد تفتح چروحه هذه!
اخفضت نظرها إلى الطفلة وعد دارت عيناها عليها بقوة وعلى ملامح وجهها
متابعة القراءة