سجينه جبل العامري بقلم ندا حسن
المحتويات
وشه
اعتدل في جلسته يعود للخلف على الفراش يتمدد عليه ناظرا إليها ثم أشار بيده قائلا
تعالي
اقتربت منه على الفراش تجلس جواره ممددة القدمين فابتعد عن الوسادة ورفع رأسه على فخذها يريد الشعور بأن هناك ملجأ له مكان كلما وقع احتواه مكان يكن الأمان عند الدمار يكن الحب عندما يجتاحه الكره والقسۏة
أمسك بيدها يرفعها إلى رأسه لتبتسم بهدوء وهي تحرك أصابع يدها بين خصلاته متغلله في فروة رأسه تشعر بأنه كسر حقا بسبب شقيقته هدم جبل العامري وقع پعنف وأثر خلف اهتزاز الجزيرة بأكملها تشعر بحزنه وألمه على ما حدث لصداقته الوحيدة لأول مرة يتحدث بهذه الطريقة يلقي نفسه بين يديها ويترك لها الحرية في التفكير والتعبير منذ متى وهو هكذا كل هذا أثر صډمته
لماذا لا تدري ولكن القلب والعقل يريدون هذا وهي لن تكون العائق لن تكون إلا زينة مختار الذي وعدته بالبقاء إلى أن تأتي عليه بما تريد من شعور وغيره
تلك الحړب الضارية ستبدأ وتنشب بين
قلبين إحداهما اعترف بما به والأخر مازال لا يدري ما يصيبه
في الصباح
ذهب إلى الجبل وهو خجل من نفسه ومن صديقه لا يدري كيف سيرفع وجهه إليه وينظر داخل عيناه وهل إذا اعتذر عما فعله سيقبل عاصم الاعتذار ذهب وحده دون حراسه فليس هناك حراسه من الأساس أنهم عادوا في الأمس جميعا
أبتعد عن الغرفة ليذهب إلى عاصم ولكن يبدو أن هناك من يراقبه في الجزيرة أيضا من بعد جلال كي يرسل إليه عبر الهاتف ما يريد طاهر في الوقت المناسب
أغلق الهاتف وبقي واقفا قليلا ما فكر به طوال الليل كان صحيح أنه جلال ذلك الخائڼ الذي كان مزروع بينهم يرسل المعلومات إلى طاهر وېغدر به غدر لا مثيل له
خرجت ضحكة ساخرة من بين شفتيه يحرك رأسه يمينا ويسارا وهو الذي كان يعتقد أن لا تفوته كبيرة أو صغيرة أتضح أن الخائڼ الذي كان بينهم كان من داخل القصر وهو الذي غدر به وبشقيقته وأوقعه بصديقه
خرج صوته ينظر إليه قائلا
يا ترى ھموت دلوقتي ولا ظهرت براءتي
رفع رأسه إليه ببطء ووقفت عيناه تقابله مباشرة لم يقوى على الحديث فقط الأعين تتحدث بالندم الشديد والحزم البالغ لما صدر منه يرسل إليه عبارات الندم والقهر والآخر يبادله الخذلان والعتاب
خرج صوت جبل مبحوحا
أنا ماليش غيرك يا عاصم
تهكم الآخر يخرج صوته بسخرية شديدة ينظر إليه بقوة
يبقى عرفت إني معملتش حاجه
أومأ برأسه إليه وأبتعد بعينه مرة أخرى لا يمتلك الجرأة التي تجعله يتحدث أمام عيناه بتلك السهولة
عرفت كل حاجه جلال هو اللي عمل كده في فرح وهو الخاېن وهرب
انتفض بدن عاصم وهو ينظر إليه پصدمة يسأله بقوة واستنكار
هرب!
استدار بوجهه إليه يرفع يده على كتفه يربت عليه قائلا بندم شديد وأمل في أن يسامحه ويغفر له ما حدث
عاصم أنا مش عارف أقول ايه قرفان من نفسي علشان شكيت فيك بس دي أختي ندمان على اللي عملته بس أنت أخويا أكيد هتسامحني
شعر بأنه نادم حقا فقال بجدية وخشونة
هسامحك يا جبل لكن مش هكمل معاك
وقف على قدميه ينظر إليه بعتاب ثم قال بحزن
مسموح ليا أمشي أكيد بعد ما عرفت كل حاجه
تحرك من أمامه يبتعد ليذهب تاركا إياه وحده كما قال له في الأمس بعد النيل منه والدعس على كرامته وتدنيس الصداقة بينهم لن يبقى معه ولن يكن صديقه مرة أخرى فهو عزيز عزيز للغاية
اخترق صوت جبل أذنه الذي وصل إياه بحزن واحتياج شديد
عاصم أنا محتاجلك
وقف في مكانه ثابتا واستدار ينظر إليه بعمق وقوة تلقي الأسهم بانفسها على كل منهما إحدى الأسهم نادمة حزينة راجية السماح والعفو والأخرى مستنكرة لا يهون عليها كل ما بينهم ولكنها تتقابل بالعتاب الممزوج بالحزن
لحظات يتبادلون فيها النظرات تعود على ذاكرة كل واحدا منهما لحظات طفولتهما سويا وشبابهما معا عملهم وإطلاق النيران على الجميع وهما في ظهر بعضهم البعض لا يترك أحدهم الآخر لا يجوز أن ينتهي كل هذا بهذه السهولة لا يجوز أن يفوز جلال بما فعله ولا يفوز الشك باعدهما عن بعضهم ليبقى كل منهم ظهره منحني وحده
اقتربوا الاثنين من بعضهم البعض ليتقابلون في عناق حاد خرج من أجساد قوية ذو عضلات قاسېة شرسة كل منهم سحق الآخر لا يود تركه وادمعت عيني جبل وهو يقول نادما
سامحني يا صاحبي
استشعر الآخر ما به فبادله تلك الدمعات
التي لا تخرج إلا من رجال أقوياء تعبر عن قهرهم ليقول بحب
انسى
لحظات مرت بينهما ليفرغ كل منهما ما بقلبه ولا يحمل ذرة بغض ناحية الآخر يعودون مرة أخرى إلى العهد السابق وما
قبله يعودون إلى عهد جبل العامري والقوة عائدة معهم من جديد
جبل هو ذلك الثبات والرسوخ ويأوي إليه البشر للحماية ويعتصم به الخائڤ لا يتزحزح إلا في لحظات الاڼهيار كما حدث معهما أما عاصم كان الحصن ل جبل والملجأ الذي يحتمي به من أي ضرر
بعد مرور فترة
تحسنت الأوضاع قليلا منذ أن هرب جلال من الجزيرة بعد أن تم اكتشاف خيانته وهناك حراسة مشددة على القصر والجزيرة بأكملها لا يتم تسليم أو استلام أي شحنات وتوقف العمل تماما بأمر من جبل بعد أن فكر قليلا فيما حدث وما سيحدث في الأيام القادمة إن لم يأخذ الحذر هذه المرة
عاد عاصم إليه مرة أخرى وحاول أن يمحي أثر ما حدث بينهم ولكن الأثر لا يمحى أبدا حتى وإن تناسى وإن غفر
بعد أن أقر جبل بما في قلبه وتحركت شفتيه بعفوية شديدة مع زينة قائلا كل ما يعتري صدره وجد نفسه أنه مجرد من كل شيء أمامها لم يعلم أحد من أهل الجزيرة بما حدث ولم يخرج الخبر لم يقع جبل العامري ولم يهتز ولكنه تعرى أمام زوجته بطريقة أحرقت قلبه وندم أشد الندم لأنه لم يستطع إمساك جوفه عن الحديث بقى أمامها مجردا من كل شيء محى قسوته في الحديث وكبريائه تركه وحيدا العڼف والشراسة المتواجدين داخله دائما لم تراهم في هذا اليوم
لم يخرج منه إلا الضعف والحزن صوته الخاڤت وهدوءه العاصف لم يخرج منه سوى شعوره بالقهر والخذلان من شقيقته وحزنه على ما فعله بصديقه تجرد أمامها من كل صفة قاسېة عرفتها به يوما وأصبح لا يمتلك إلا الرحمة والمغفرة الهدوء والضعف ليمحى من أمامها جبل العامري الذي عرفته
حتى أنها أصبحت تتعامل معه بهدوء ولين تبتسم إليه بين حديثها الهادئ معه وكأن ما قاله عنهما أثر بها يشعر أنها تود التكملة معه حقا ولكن لن تحبه وهو بهذه الحالة لن تحبه وهو ذلك التاجر رجل العصاپات يمكن أن تظل هنا ولكن لن تبادله شغفه نحوها ولن تجعله يقترب منها إلى الحد الذي يريده
هناك حل واحد لا يعلم إن كان سيندم عليه بعدما يفعله أو لا ولكنه وعد نفسه إن وقع بحبها لن يحرم قلبه منها ولن يخاطر بها ستكون له رغما عن الجميع ولكن بموافقة منها وهي لن توافق عليه إلا إذا اعترف لها بكل شيء كل شيء يجعلها تحبه وتبغاه بعد أن تناست شقيقه الذي لم تكن ستنساه أبدا إن لم تعرف أنه كان ق اتل ومچرم شريك بكل شيء قبله وبعده
بينما هي حقا كما وصفها رأته مجردا من كل شي فشعرت أنه إنسان غير الذي تعرفه وعليها أن تجعله هو الآخر أن يعترف بذلك يقف أمام نفسه يعترف قائلا أنا جبل العامري ذو القلب الرحيم والنظرة الرقيقة لا المخيفة أنا جبل العامري المحب لا القاټل أنا القاضي العادل لا الجاني المچرم أنا جبل العامري
لا تدري كيف اقتربت منه إلى هذا الحد في تلك الفترة الصغيرة ولكن حقا وهذا شيء وجب الاعتراف به أنها يوما عن يوم تقترب منه تتعمق بالنظر إليه ليس كالسابق بل نظرات أخرى غريبة كليا عليها وعلى ما تشعر به تجاهها
صارحت نفسها فجأة أنها بدأت تميل إليه لا تدري كيف ولكنها حقا بدأت في التقرب منه والحديث معه بطريقة أفضل من السابق بكثير والنظر إليه بلين وهدوء وهو يبادلها ذلك من بعد آخر جلسه حدثت بينهم ترى من الممكن أن تستكمل مسيرتها معه هنا إلى الأبد! كانت إجابتها على نفسها أن ذلك لمن المستحيل لن تبقى معه ومكتوبة على اسمه إلا عندما تتأكد من أنه برئ من كل التهم المنسوبة إليه غير ذلك لا تستطيع أن تكون شريكته في كل حرام يفعله
جعلت شقيقتها تقطع علاقتها مع عاصم من أحبته وتمنت القرب منه بمنتهى البراءة منذ أن عاد إلى القصر وامتعت عينيها بالنظر إليه من بعيد وهي راضية تماما ولكن تفيذا لأوامر شقيقتها قامت بوضع رقم هاتفه في قائمة الحظر وعندما تقابلهم الصدفة لا تصغى إليه ابتعدت عنه كل البعد بعدما علمت بمجال عمله من شقيقتها كانت تريد فقط أن تواجهه وتستمع إلى الحقيقة منه ولكن حديث شقيقتها أتى عليها بصرامة وحزم غير قابل للنقاش ففعلت
وهو كان يحاول كلما رآها تنظر من الأعلى أن يتحدث معها يشير إلى أذنه دليل على أنه حتى يريد مهاتفتها ولكنها لا تعيره اهتمام لا يفهم ما الذي حدث لها جعلها تتحول من ناحيته بهذه الطريقة لم يجد إلا سببا واحدا وهو أن تكون علمت شقيقتها بما بينهم من بعد ذلك اليوم وهي من قامت بمنعها عنه ولكنه لن يمل ولن يكل لن يتركها إلا عندما يتحدث معها ويصل إلى نقطة ترضيه ويعود بها إلى آخر ممر كانوا به سويا بين ورود الغرام
وجدران الخجل
زينة فقط من بقيت جوارها عالجتها وتأتي إليها بالطعام لأنها تعلم مؤكد ستتضور جوعا فمن يستطيع أن يأكل مرة واحدة في اليوم بكمية قليلة للغاية لا تناسب طفل فعلت هذا أيضا من قلبها دليل على أصلها الطيب وتعاملها المحب المعطي إليهم جميعا حتى وإن قابلتها منهم القسۏة والحقد
دقت تمارا على باب مكتب جبل كانت تعلم أنه بالداخل انتظرت كثيرا إلى أن استقرت الأوضاع واتت الفرصة المناسبة لها
أذن لها بالدخول فولجت إلى الغرفة تدفع الباب خلفها سارت إلى أن جلست على المقعد أمامه تحت أنظاره الثاقبة عليها
خرج صوته حاد ينظر إليها بقوة
نعم
توترت قليلا تمسكت يدها ببعضهم البعض نظرت إلى الأرضية ثم إليه قائلة بخفوت
جبل أنا عايزة أتكلم معاك
أشار إليها بيده يعود إلى الخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد قائلا بجمود
اتكلمي
تنفست بعمق وهي تنظر إليه لا تدري من أين تبدأ حديثها معه تتابع عيناه الثاقبة فوقها التي توحي أيضا بالبرود وكأنه ليس مهتم بها أردفت تسائلة بندم وحنين
ممكن تقولي ايه اللي غيرك كده جبل أنا تمارا حبيبتك معقول نسيت كل اللي كان بينا نسيت حبك
أومأ إليها برأسه ليستند بيده على ذراع المقعد يضع إصبعيه السبابة والابهام أسفل ذقنه وأردف ببرود
آه نسيته
حركت رأسها نافية تقول بجدية وحړقة
لأ يا جبل أنا مش مصدقة أنا عارفه أنت اتجوزت زينة إزاي وليه متحاولش تبينلي إنك بتحبها
ابتسم بهدوء وهو يجيبها صدقا قائلا بشغف ولمعة غريبة ظهرت بعينيه على أثر نطقه بتلك الكلمات
أنا فعلا بحبها
وضعت يدها على المكتب تتابعه بعينان حزينة للغاية تحرك أهدابها بكثرة تحاول منع الدموع من النزوح عن مقلتيها فهي خسړت كل شيء عندما تركته بأنانية
ده كدب أنا عارفه إنك بتحبني بس زعلان من اللي عملته لما سيبتك ومشيت
اعتدل على المقعد يتقدم للأمام يستند بيده الاثنين على المكتب نظر إليها بقوة وجدية وتحدث بفتور غير مبالي بمشاعرها
للأسف يا تمارا جه الوقت اللي اشكرك فيه علشان مشيتي صحيح سببتيلي ۏجع وحسيت بالوحدة من بعدك بس لولا اللي عملتيه ده كان زماني دلوقتي متجوزك وزينة مش معايا
ابتسم إليها رافعا يده إليها يقول مبتسما
يعني أنا بقولك شكرا علشان بسببك أنا اتجوزت زينة وبقت مراتي
تحولت نظرته وتلك الابتسامة إلى الجمود والحدة وهو يقول بقسۏة وغلظة احرقتها
محتاوليش معايا يا تمارا أنا بحب مراتي بحبها أوي فوق ما تتخيلي
جبل
نطقت اسمه محاولة التحدث بلين ورقة ولكنه قاطعها مبتسما يقول بشغف وفي ذات الوقت مهينا إياها معبرا عن أن حبه لها لم يكن له قيمة
واكتشفت معاها أن الحب اللي كان بيني وبينك ده ميجيش جنب حبي ليها حاجه
تعمقت بالنظر إلى عيناه غاصت داخلهما ولم تجد لها عنده أي تعبير أو رسالة لم تجد ذكرى واحدة أو لحظة مرت بينهما تشفع لها يبدو أنه أحبها حقا متمسك بها حد المۏت كيف حدث هذا كيف
متابعة القراءة